My rating: 5 of 5 stars
الكتاب يستحق الخمس نجوم بجدارة .. لغة عربية تعدت مرحلة الجمال وأخذت تبهرني سطر تلو الآخر وصفحة تلو الأخرى .. سعيدة بكونها أول تجربة لي في عالم يحيى حقي
القصص عجيبة في جذب القارئ وإدماجه في عالمها حتى اذا ما انتهت تجدك غير راضي على انتهائها بهذه السرعة ، دهشتني لغته العربية السليمة واحترافه الكتابة والتعبير والتشيبهات المتتالية والممتعة في ذات الوقت .. لم انزعج ابدا من التشبيه المستمر فكل تشبيه يجعلك تشعر بعبقرية الخيال واللغة والفن والفكرة .. الكتاب صغير نسيبا لكني قضيت في قرأته شهر كامل حتى اهضمه جيدا واستوعب جماله .. هناك جُمل بعينها تستحق القراءة مرة ومرة وفي كل مرة تجد طعم جديد جميل .. كل سطر يصلح ان يكون قول مأثور
لم أخرج من الكتاب متعلقة بالقصص مثلما تعلقت بالكاتب وبإسلوبه السهل الممتنع ولغته الحية السلسلة ، تقرأ وكأنك تلميذ تدرس لغة وأدب وفن وتتعجب من شطارة المُعلم وقدرته الفذة على الكتابة ، حتى انك بالكاد تجد لفظ متكرر في القصة الواحدة فبحر اللغة عند يحيى حقي متجدد ولا ينضب أبدا ، يعطيك منه بكرم ولا يتوقف فتشرب انت لغة عذبة جديدة على اذنك ومختلفة
قال يحيى حقي في هامش ( قنديل أم هاشم ) : مكثت أكثر من أسبوع أبحث عن الكلام الذي ينبغي أن ينطق به إسماعيل في هذا الموقف ، وقد أحسست أنه يجب ألا يزيد عن لفظ واحد ، إذ ليس من المعقول أن ينطق بجملة طويلة وهو في تلك الحال . وأردت أن يكون هذا اللفظ معبراً عن الأنين وعن الرغبة في البوح وفي الاستعطاف وفي تأكيد الإنتماء .. وبينما انا حائر في البحث عن الكلمة المناسبة إذ تذكرت نصاً كنت قرأته عن حياة الفيلسوف الألماني ( نيتشة ) وبقى منه في ذهني أنه حين أصيب بلوثة الجنون هبط من بيته الذي كان يقع فوق قمة جمل مرتفع وهو يصرخ: ( أنا .. أنا .. أنا ). عندئذ أدركت أن هذه هي الكلمة التي كنت أبحث عنها ، لانها تجسد كل المعاني التي طلبتها ، خاصة وأن حرف النون فيه نغمة الأنين . ولعل الذي قادني إلى تذكر هذا النص أن إسماعيل في هذا الموقف كان هو الآخر قريبا من الجنون . وهكذا يتأكد اعتقادي بأن الذي يضفي على النص الأدبي قدراً من قيمته هو إشاراته الخفية إلى أعمال أدبية أخرى ممتازة . فكأن للأدب كياناً متكاملاً اشترك في تشييده كل من سبقونا ومن يعاصروننا من كبار الكتاب في كل اللغات .
هكذا تجدك تتعلم فن الكتابة على أصوله قبل ان تستمتع بالقصة كقصة ، فهو أول كاتب اجده مشغولا في كتاباته بتعليم الجيل الجديد كيف يكتب ويبدع ، وهذا بديهي ومنطقي بالنسبة ليحيى حقي لانه ذكر في سيرته الذاتية ان الفنان الصادق هو الذي يشعر أن المعبد أو الهيكل الذي يعيش فيه يجب أن يستمر وأن يسلمه جيل إلى آخر.
قنديل أم هاشم: بسيطة وراقية ، أعجبت بوصفه لحي السيدة زينب والمقام كما أعجبت بوصفه للقنديل عندما قال " كل نور يفيد اصطداما بين ظلام يجثم وضوء يدافع ، إلا هذا القنديل فإنه يضئ بغير صراع " ، وكلمته عن الحب: " إن المحب لا يقيس ولا يقارن وإذا دخلت المقارنة من الباب ، ولى الحب من النافذة "
السلحفاة تطير: تعجبت من اسلوبها حيث ذكر الكاتب انه استخدم في كتابتها الشكل الدائري للقصة ، فانتهت القصة حيث بدأت !!
كنا ثلاثة أيتام : خفيفة تتعجب من الأقدار وأفعالها .. يمكن تلخيصها في المثل القائل: راح يصطاد .. صادوه
القديس لا يحار: أعجبني فيها حيرة الانسان بين التقرب لله والإنقطاع لعبادته وبين غريزته الإنسانية وإستمتاعه بالحياة
بيني وبينك: قصيدة نثرية للحبيب الضائع .. لم تعلق في ذهني لاني غير متعودة على القصائد النثرية بشكل عام
كن .. كان: ما اجملها وأروعها؟ نموذج لنسيج أدبي مصنوع بإحكام وإتقان ، الفكرة والوصف والخيال والحبكة والمتعة والفائدة ... غاية الإبداع والجمال حقاً ، ان تصنع فن جميل ومفيد في ذات الوقت .. احتفظت من القصة بهذا الوصف : فوقه سماء القاهرة تكاد الروح ترشفها من فرح صفائها. تناثرت فيها نجوم لامعة وأخرى خابية ، لا يكاد النظر يستوعبها في مواقعها ، حتى تجد الأذن أن هذه النجوم المبعثرة مختلفات الألوان ينظمها نغم حلو جميل . لكل لون منها نصيب في إيقاعه ، ولكنه نغم خاف تشعر به الأذن ولا تتبينه ، كأنما هي أيضا عين ترى ولا تسمع .
View all my reviews